قد يعرف البعض ممن لم يزر أمستردام بعد أنها مدينة ترتكز على أعمدة تغوص بالماء، لكن هل تعرفون أن جزءًا من سكان المدينة يسكنون الماء حرفيًا؟. تُعد البيوت العائمة جزءًا لا يتجزأ من قلب المدينة، وتُضفي سحرًا خاصًا على صورة القنوات الخلابة وبالتحديد في منطقة السنغل، حيث يوجد حوالي 750 منزلًا عائمًا يتهادى على الماء. بشكل عام هناك نوعان من البيوت العائمة: السفينة-المنزل، والفُلك. إن السفينة-المنزل هي عبارة عن زورق قديم تحولت مساحة الشحن القديمة به إلى مسكن. أما الفُلك فهو هيكل عائم صُمم أساسًا ليكون مسكنًا؛ ليس للإبحار إطلاقا بل هو فقط عبارة عن منزل فوق الماء كما هو فلك نوح عليه السلام
تُعد البيوت المائية في أمستردام من أروع الخيارات لتجربة إقامة فريدة وسط المياه الهادئة. في الوقت الحالي، تشهد أمستردام وجود أكثر من 1550 بيتًا مائيًا بعضها متاح للتأجير ليلة أو بضع ليالي, نقوم في “فلاينج كاربت أمستردام” بعمل جولات سياحية نمر ببعضها بجانب اجمل البيوت المائية الموجودة في هولندا لذا أخبرنا إن كنت ترغب برؤية بعضها عند حجز إحدى باقاتنا السياحية، ولعلمك إن أسعار إيجار البيوت المائية تتفاوت بشكل كبير، حيث يمكن أن تجد البيت المائي الأقل تكلفة بإيجار يبدأ من حوالي ٦٨ يورو لليلة الواحدة خارج الموسم السياحي، بينما يمكن أن يصل إيجار البيت المائي الى ٤٩٠ يورو لليلة الواحدة في الموسم السياحي
من القصص الطريفة التي يرويها سكان البيوت المائية أن سائح جبان كان يزور أمستردام للمرة الأولى وقرر أن يخوض تجربة الإقامة في بيت مائي. استيقط في أول ليلة له في حالة من الذعرعلى صوت ماء يتدفق بقوة ،اعتقد أن البيت المائي يغرق، فقفز من السرير وبدأ بالصراخ طلبًا للمساعدة. تجمع الجيران حوله ليكتشفوا أن الصوت كان مجرد قارب يمر بجانب البيت المائي ويحدث أمواجًا تصطدم بجوانبه. لقد كانت تجربة مثيرة للسائح الذي لم يعتد على حياة القنوات المائية، وأصبحت القصة فيما بعد حدثا طريفا يتناقله المقيمون في البيوت المائية
ولمن يتسائل كيف تبقى البيوت طافية في أمستردام فالجواب: تبقى طافية بفضل تصميمها المتوازن واستخدام مواد تسمح لها بالطفو على سطح الماء. تُبنى بعضها على قواعد عائمة كبيرة مصنوعة من الخرسانة المقاومة للماء والتي توفر الاستقرار والثبات، و لضمان عدم انجرافها، تُرسى البيوت العائمة بأعمدة ثابتة تُغرس في قاع القناة أو تُثبت بواسطة كابلات متينة إلى الرصيف أو إلى أوزان ثقيلة تحت الماء. هذا يسمح لها بالتحرك قليلًا مع حركة الماء لكن دون الانجراف بعيدًا
عند البحث عن تاريخ المساكن العائمة نجد أن تاريخها مبكرجدا, فمنذ القرن السابع عشر عاش الناس على مياه قنوات أمستردام. كان سكان البيوت العائمة في تلك الأوقات عادةً من التجار الأجانب الذين يبيعون بضائعهم بشكل غير قانوني للناس في الشوارع وهم على متن قواربهم. كانت العلاقة بين البلدية وهؤلاء التجار سيئة؛ وفقًا للمسؤولين، كان التجار يسببون إزعاجًا، وكانوا يمثلون منافسة غير عادلة للتجار الآخرين في المدينة. لذا كانت البلدية تفضل رحيل سكان البيوت العائمة وتضيق عليهم أحيانا ليرحلوا. وبرغم هذه العلاقة السيئة ظلت البيوت العائمة جزءًا من مشهد أمستردام عبر القرون
في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرون، حلت القوارب الفولاذية محل السفن الشراعية الخشبية. لذا تم شراء السفن الشراعية القديمة وتحويلها إلى مساكن؛ وفي أوقات الأزمات السكنية ظهرت الأحياء الفقيرة على الماء خاصة حول أطراف المدينة بأحياء أبعد ما يمكن عن مركز المدينة مثل أمستردام-نورد على سبيل المثال، اكتسبت البيوت العائمة شعبية خلال القرن العشرين خاصةً بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون على الماء بسرعة. السبب الرئيسي لذلك كان النقص الشديد بعدد المساكن المتاحة في تلك الأوقات، كانت القوارب أحيانًا تُسكن من قبل أكثر من عائلة واحدة. ومع ذلك لم يكن المحتاجون إلى السكن فقط هم من يلجأون إلى القوارب. كان الأغنياء أيضًا مُغرمين بالحياة على الماء؛ فقد كانت البيوت العائمة فرصة للتنقل بين المدينة والطبيعة. كانت هذه البيوت العائمة الفاخرة تقع عادةً في نهر الأمستل. في عام 1918، تم تنصيب قانون يطلب من جميع سكان البيوت العائمة والمقطورات الحصول على تصريح لأماكن إقامتهم، وكان يتوجب على جميع الأطفال الذهاب إلى المدرسة. كما كان يجب أن تفي القوارب نفسها بمعايير معينة
أما اليوم، فلم يعد العيش في بيت عائم خيارًا رخيصًا للإقامة. قامت البلدية المحلية بتجميد عدد أماكن الرسو، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار. ومع ذلك، لا يعني العيش على الماء بالضرورة العيش على متن قارب. تقع أكثر الأحياء العائمة استدامة في أوروبا في قناة يوهان فان هاسيلت، في أمستردام-نورد. حيث تطفو المنازل هناك على شكل ثلاثين فُلكاً