هل سبق لك أن تجولت بجانب حديقة إيراسموس الغناء في أمستردام، أو تأملت التمثال البرونزي الأقدم لإيراسموس في روتردام؟ هل تساءلت يومًا عن قصة الرجل الذي يقف خلف هذه الرموز الثقافية العريقة؟ في “فلاينج كاربت أمستردام” ندعوك لاكتشاف أسرار هولندا الخفية والتي غالبًا ما تظل بعيدة عن أعين السياح. لا تفوت فرصة الاستمتاع برحلاتنا السياحية المتنوعة التي تكشف لك الكثير من كنوز هذه البلاد الساحرة. للتعرف على خدماتنا والاستفادة منها، كل ما عليك هو التواصل معنا. والآن دعونا نسبر أغوار حياة إيراسموس
إيراسموس، هو ذلك الفيلسوف الهولندي البارز والعقل المدبر للحركة الإنسانية في أوروبا. وُلد في روتردام حوالي 28 أكتوبر 1466، ورحل في بازل بسويسرا بتاريخ 12 يوليو 1536, كان إيراسموس مترجمًا ماهرًا، كاتبًا مبدعًا، عالم لاتينيات متمكنًا، وأستاذًا جامعيًا ملهمًا. تميز بشخصيته المستقلة وروحه الساخرة، وهو ما انعكس بوضوح في أحد أشهر أعماله “مديح الحمق”. في هذا العمل، يقدم إيراسموس نقدًا لاذعًا لمختلف جوانب المجتمع، بما في ذلك الكنيسة والطبقة الحاكمة، وذلك من خلال شخصية “الحمقى” التي تمثل البشرية بكل عيوبها ومثالياتها
ومن الصفحات المؤثرة في سيرته، نجد أن وفاة والديه في طفولته قد ألقت به في أحضان الحياة الرهبانية، حيث تلقى تعليمًا صارمًا يهدف إلى تهذيب الروح والجسد. وعلى الرغم من القيود التي فرضتها عليه الحياة الديرية، إلا أنه وجد في الكتابة والفكر ملاذًا ومنفذًا للتعبير عن ذاته وأفكاره، مُتحديًا القيود ومُسطرًا صفحات من الإبداع لا تزال تُقرأ حتى يومنا هذا
لعب إيراسموس دورًا محوريًا في تعليم اللغة والأدب، حيث أسهم بشكل كبير في نشر الكتب التربوية والتواصل المباشر مع الطلبة. تناول في مؤلفاته معظم مظاهر التربية وقضاياها الهامة، مثل الطريقة والمحتوى وآداب الطفولة. من أهم إسهاماته تعليقه على نصوص العهد الجديد، حيث سعى لتطبيق مبادئ الحركة الإنسانية على التوجهات المسيحية، محاولًا بذلك تقريب وجهات النظر بين المذهب الكاثوليكي والحركات الإصلاحية الجديدة. تأثير إيراسموس لم يقتصر على الفكر فحسب، بل امتد ليشمل الثقافة والأدب، حيث أثرى اللغة الهولندية بأعماله المكتوبة باللاتينية، والتي تُرجمت لاحقًا، مما ساهم في تطوير الأدب الهولندي. كما كانت كتاباته مصدر إلهام للعديد من المفكرين والكتاب في العصور اللاحقة
لإيراسموس العديد من المقولات الخالدة التي تُظهر حكمته وفلسفته، منها التالي
“من يتقن فن العيش مع نفسه لا يعرف البؤس.”
“السعادة تتأتى من الرضا بالقليل، وليس من الكثير من الأشياء.”
“الحرية هي أن تقول لنفسك ما تعتقد أنه صحيح.”
هذه المقولات تعكس تقدير إيراسموس للعقلانية، الاستقلالية، والبحث عن السعادة الداخلية. كان يؤمن بأهمية الفرد وقدرته على التفكير النقدي والعيش بما يتوافق مع مبادئه الخاصة. إحدى القصص المشهورة عن إيراسموس تتعلق بكتابه “مديح الحمق”، والذي يُعد من أشهر أعماله وأكثرها تأثيرًا. يُروى أن إيراسموس كتب هذا العمل خلال رحلة بالقارب من إيطاليا إلى إنجلترا، وقد استغرق الأمر أسبوعًا واحدًا فقط لإكماله. مديح الحمق” يُعبر عن نقد إيراسموس الساخر لمختلف جوانب المجتمع، بما في ذلك الكنيسة والطبقة الحاكمة، وقد استخدم فيه الفكاهة والسخرية لتوجيه النقد الاجتماعي والديني. الكتاب يُظهر مهارة إيراسموس في استخدام اللغة والأدب للتعبير عن أفكاره الإصلاحية والإنسانية، وقد أثار جدلًا كبيرًا في زمانه ولا يزال يُقرأ ويُدرس حتى اليوم.
في رحلتنا عبر الزمن، نجد أن برنامج “إيراسموس للتبادل الطلابي” يُعد شاهدًا حيًا على إرث إيراسموس العظيم. يُعتبر هذا البرنامج، أحد أبرز مبادرات الاتحاد الأوروبي، يُجسد روح التبادل الثقافي والتعليمي الذي دافع عنه إيراسموس بشغف. منذ انطلاقته في عام 1987، أصبح برنامج “إيراسموس” رمزًا للتنقل الأكاديمي والطلابي، مُعززًا الروابط بين الشعوب والثقافات، ومُحققًا التفاهم العميق بين الأمم
لقد كان إيراسموس، بفكره النير وقلمه الحر، مُلهمًا لنهضة هولندا وللتجديد الفكري في أوروبا كلها. استطاع بمنهجه اللغوي الرائد ودراساته النقدية أن يُسهم في تشكيل الفكر الأوروبي، مُرسخًا أسسًا جديدة للتعليم والإصلاح الديني. وفي زمن تصارعت فيه الأفكار والعقائد، وقف إيراسموس شامخًا بموقفه المستقل، مُعلنًا رفضه للتعصب والسلطة المطلقة، ومُضيئًا الطريق للباحثين عن الحرية الفكرية